فصل: مَسْأَلَةٌ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا حَاسِرَةً:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل بيان مَا خُصَّ بِهِ مِنْ حَظْرٍ:

فَأَمَّا مَا خُصَّ بِهِ مِنْ حَظْرٍ صلى الله عليه وسلم فَخَمْسَةُ خِصَالٍ: مِنْهَا: قَوْلُ الشِّعْرِ للرسول صلى الله عليه وسلم، وَرِوَايَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يَس: 69]. وَمِنْهَا الْكِتَابَةُ وَالْقِرَاءَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 49]. وَمِنْهَا: أَنْ لَيْسَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ الرسول صلى الله عليه وسلم: لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ عَامَ الْفَتْحِ بِقَتْلِ سِتَّةٍ، وَإِنْ تَعَلَّقُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ أَتَاهُ عُثْمَانُ بِأَحَدِهِمْ- وَكَانَ قَرِيبَهُ- لِيَأْخُذَ لَهُ أَمَانًا مِنْهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ عَاوَدَهُ فَأَمَّنَهُ، فَلَمَّا وَلِيَ قَالَ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ: هَلَّا قَتَلْتُمُوهُ، فَقَالَ: هَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنَيْكَ، فَقَالَ: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ. وَمِنْهَا: مَنْعُهُ مِنَ الصَّدَقَاتِ الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: مَنْعُهُ مِنْ أَكْلِ مَا تُؤْذِي رَائِحَتُهُ مِنَ الْبُقُولِ لِهُبُوطِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ الرسول صلى الله عليه وسلم.

.فصل بيان مَا خُصَّ بِهِ مِنْ إِبَاحَةٍ:

فَأَمَّا مَا خُصَّ بِهِ مِنْ إِبَاحَةٍ صلى الله عليه وسلم فَأَرْبَعُ خِصَالٍ: مِنْهَا: الْوِصَالُ بَيْنَ صَوْمِ الْيَوْمَيْنِ للنبي صلى الله عليه وسلم بِالْإِمْسَاكِ: لِأَنَّهُ لَمَّا نَهَى عَنِ الْوِصَالِ وَوَاصَلَ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي فَيُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي. وَمِنْهَا: الصَّفِيُّ يَصْطَفِي مِنَ الْمَغَانِمِ مَا شَاءَ الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُحْيِي نَفْسَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ وَنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ ضَرُورَتِهِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ خُصَّ بِحِمَى الْمَوَاتِ الرسول صلى الله عليه وسلم فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
فصل: فَأَمَّا مَا خُصَّ بِهِ مِنْ مَعُونَةٍ الرسول صلى الله عليه وسلم فَسَبْعُ خِصَالٍ: مِنْهَا: مَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ مِنَ الْفَيْءِ وَالْغَنَائِمِ الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: مَا مَلَّكَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: أَنْ لَا يُقِرَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى خَطَأٍ الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: مَا أَمَدَّهُ بِهِ مِنْ مَلَائِكَةٍ الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: مَا تَكَفَّلَ بِهِ مِنْ عِصْمَتِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: مَا وَعَدَهُ بِهِ مِنْ نُصْرَتِهِ الرسول صلى الله عليه وسلم.
وَمِنْهَا: مَا أَلْقَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ رَهْبَتِهِ، حَتَّى قَالَ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ الرسول صلى الله عليه وسلم.
فصل: فَأَمَّا مَا خُصَّ بِهِ مِنْ كَرَامَةٍ صلى الله عليه وسلم فَعَشْرُ خِصَالٍ: مِنْهَا: أَنْ بَعَثَهُ إِلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ. وَمِنْهَا: أَنْ جَعَلَهُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ ما خص الله به الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: أَنْ جَعَلَهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ما خص الله به الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: أَنْ جَعَلَ أُمَّتَهُ خَيْرَ الْأُمَمِ ما خص الله به الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: أَنْ تَنَامَ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامَ قَلْبُهُ ما خص الله به الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: أَنْ يَرَى مَنْ وَرَائَهُ كَمَا يَرَى مَنْ أَمَامَهُ ما خص الله به الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: أَنْ يُبَلَّغَ السَّلَامَ بَعْدَ الْمَوْتِ ما خص الله به الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ ما خص الله به الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ما خص الله به الرسول صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَشْهَدُ لِجَمِيعِ النَّبِيِّينَ بِالْأَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ما خص الله به الرسول صلى الله عليه وسلم.

.التَّرْغِيبُ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْجَامِعِ:

النِّكَاحُ مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.
التَّرْغِيبُ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْجَامِعِ وَمِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ جَدِيدٍ وَقَدِيمٍ، وَمِنَ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَا إِذَا تَاقَتْ أَنْفُسُهُمَا إِلَيْهِ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ وَرَضِيَهُ، وَنَدَبَ إِلَيْهِ، وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ حَتَّى بِالسَّقْطِ. وَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ، وَيُقَالُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُرْفَعُ بِدَعَاءِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ النِّكَاحُ مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ حكمه. وَقَالَ دَاوُدُ: النِّكَاحُ وَاجِبٌ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النِّسَاءِ: 3] وَهَذَا أَمْرٌ، وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا قَالَ: وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعٌ بِقَوْلِ صَحَابِيَّيْنِ لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُمَا: أَحَدُهُمَا: قَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي الزَّوَائِدِ: لَا يَمْنَعُكَ مِنَ النِّكَاحِ إِلَّا عَجْزٌ أَوْ فُجُورٌ.
وَالثَّانِي: قَوْلُ مُعَاذٍ فِي مَرَضِهِ: زَوِّجُونِي لَا أَلْقَى اللَّهَ عَزَبًا. لِأَنَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ تَحْصِينِ النَّفْسِ مِثْلَ مَا فِي الْغِذَاءِ، فَلَمَّا لَزِمَ تَحْصِينُهَا بِالْغِذَاءِ، لَزِمَ تَحْصِينُهَا بِالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَهُ إِعْفَافُ أَبِيهِ كَانَ إِعْفَافُ نَفْسِهِ أَوْلَى. وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاع فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاءِ: 3] وَمِنْهُ دَلِيلَان:
أحدهما: أَنَّهُ عُلِّقَ بِطِيبِ النَّفْسِ، وَلَوْ كَانَ لَازِمًا وَاجِبًا لَلَزِمَ بِكُلِّ حَالٍ.
وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فَخَيَّرَهُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ يَقْتَضِي تَسَاوِي حُكْمِهِمَا، فَلَمَّا كَانَ مِلْكُ الْيَمِينِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، كَانَ النِّكَاحُ بِمَثَابَتِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ فَأَبَاحَ نِكَاحَ الْأَمَةِ لِمَنْ خَشِيَ الزِّنَا، وَجَعَلَ الصَّبْرَ خَيْرًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَكَانَ الصَّبْرُ شَرًّا لَهُ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: خِيَارُكُمْ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ كُلُّ خَفِيفٍ حَاذٍّ، قِيلَ: وَمَنِ الْخَفِيفُ الْحَاذُّ، قَالَ: الَّذِي لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدَ.
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: الصَّبْرُ عَنِ النِّسَاءِ خَيْرٌ مِنَ الصَّبْرِ عَلَيْهِنَّ، وَالصَّبْرُ عَلَيْهِنَّ خَيْرٌ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى النَّارِ. وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: مِسْكِينٌ مِسْكِينٌ رَجُلٌ لَا امْرَأَةَ لَهُ، وَمِسْكِينَةٌ مِسْكِينَةٌ امْرَأَةٌ لَا رَجُلَ لَهَا. فَأَخْرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الرَّحْمَةِ، وَتَارِكُ الْوَاجِبِ لَا يَرْحَمُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ مَقْصُودُ النِّكَاحِ وَهُوَ الْوَطْءُ، كَانَ النِّكَاحُ بِأَنْ لَا يَجِبَ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي النِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْ نَيْلِ شَهْوَةٍ وَإِدْرَاكِ لَذَّةٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ كَسَائِرِ الشَّهَوَاتِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَطْعُ شَهْوَتِهِ بِالنِّكَاحِ لَوَجَبَ قَطْعُهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِمَا قَامَ مَقَامَهُ مِنْ دَوَاءٍ وَعِلَاجٍ، وَلِأَنَّ مَا دَعَتْ إِلَيْهِ الشَّهَوَاتُ خَارِجٌ مِنْ جُمْلَةِ الْوَاجِبَاتِ: لِأَنَّ مِنْ صِفَاتِ الْوَاجِبَاتِ تَكَلَّفُ الْمَشَاقِّ فِيهَا وَتَحَمَّلُ الْأَثْقَالِ لَهَا، فَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ جَعَلْنَاهَا دَلِيلًا. وَأَمَّا الْخَبَرُ فَهُوَ أَمْرٌ بِالنِّكَاحِ لِلْمُكَاثَرَةِ بِالْأَوْلَادِ: لِأَنَّهُ قَالَ تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ حَتَّى بِالسَّقْطِ وَلَيْسَتِ الْمُكَاثَرَةُ وَاجِبَةً، وَكَذَلِكَ مَا جُعِلَ طَرِيقًا إِلَيْهَا. أَمَّا قَوْلُهُ: أَنَّ فِيهِ تَحْصِينَ النَّفْسِ، فَإِنَّمَا يَجِبُ مِنْ تَحْصِينِ النَّفْسِ مَا خِيفَ مِنْهُ التَّلَفُ، وَلَيْسَ فِي تَرْكِ النِّكَاحِ خَوْفُ التَّلَفِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ لَمَّا لَزِمَهُ إِعْفَافُ أَبِيهِ لَزِمَهُ إِعْفَافُ نَفْسِهِ، فَقَدْ كَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ يَقُولُ: إِنَّ إِعْفَافَ أَمَتِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِعْفَافُ ابْنِهِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُهُ، وَلَا يَجُبْ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ كَمَا يَلْزَمُهُ فِي حَقِّ أَبِيهِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِ مِنَ الْقُوتِ وَالْكِسْوَةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ. فَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي الزَّوَائِدِ: مَا مَنَعَكَ مِنَ النِّكَاحِ إِلَّا عَجْزٌ أَوْ فُجُورٌ، فَهُوَ عَلَى طَرِيقِ التَّرْغِيبِ دُونَ الْوُجُوبِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَزِمَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ مُعَاذٍ: زَوِّجُونِي لَا أَلْقَى اللَّهَ عَزَبًا، فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ ذَا أَوْلَادٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اخْتَارَ ذَلِكَ نَدْبًا.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ إِلَى ذَلِكَ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّى لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النُّورِ: 60] وَذَكَرَ عَبْدًا أَكْرَمَهُ فَقَالَ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَالْحَصُورُ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَمْ يَنْدُبْهُنَّ إِلَى النِّكَاحِ، فَدَلَّ أَنَّ الْمَنْدُوبَ إِلَيْهِ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ الْإِنْسَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ تَائِقَ النَّفْسِ إِلَى النِّكَاحِ أحوال النفس في الزواج، شَدِيدَ الشَّهْوَةِ لَهُ، تُنَازِعُهُ نَفْسُهُ إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُحَدِّثْهَا بِهِ، فَهَذَا مَنْدُوبٌ إِلَى النِّكَاحِ وَمَأْمُورٌ بِهِ، وَنِكَاحُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ: لِئَلَّا تَدْعُوَهُ شِدَّةُ الشَّهْوَةِ إِلَى مُوَاقَعَةِ الْفُجُورِ، وَفِي مِثْلِهِ وَرَدَتْ أَخْبَارُ النَّدْبِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفَ الشَّهْوَةِ عَنْهُ، غَيْرَ تَائِقٍ إِلَيْهِ أحوال النفس في الزواج، وَمَتَى حَدَّثَ نَفْسَهُ بِهِ لَمْ تُرِدْهُ، فَالْأَفْضَلُ لِمِثْلِ هَذَا أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُ، وَتَرَكُهُ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ، لِئَلَّا يَدْعُوَهُ الدُّخُولُ فِيهِ إِلَى الْعَجْزِ عَمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقٍ، وَفِي مِثْلِهِ وَرَدَتْ أَخْبَارُ الْكَرَاهَةِ، وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا فِي تَرْكِ النِّسَاءِ فَقَالَ: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آلِ عِمْرَانَ: 39] وَفِيهِ تَأْوِيلَان:
أحدهما: أَنَّ السَّيِّدَ الْخَلِيفَةُ، وَالْحَصُورَ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ. وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ السَّيِّدَ الْفَقِيهُ، وَالْحَصُورَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إِتْيَانِ النِّسَاءِ. وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. وَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} [النُّورِ: 60] وَالْقَوَاعِدُ: هُنَّ اللَّاتِي قَعَدْنَ بِالْكِبَرِ عَنِ الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ فَلَا يُرِدْنَ الرِّجَالَ وَلَا يُرِيدُهُنَّ الرِّجَالُ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مُعْتَدِلَ الشَّهْوَةِ إِنْ صَبَرَتْ نَفْسُهُ عَنْهُ صَبَرَ، وَإِنْ حَدَّثَهَا بِهِ فَسَدَتْ أحوال النفس في الزواج، فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْتَغِلًا بِالطَّاعَةِ، أَوْ مُشْتَغِلًا بِالدُّنْيَا، فَإِنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِطَاعَةٍ مِنْ عِبَادَةٍ أَوْ عِلْمٍ، فَتَرْكُهُ لِلنِّكَاحِ تَشَاغُلًا بِالطَّاعَةِ أَفْضَلُ لَهُ وَأَوْلَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَشَاغِلًا بِالدُّنْيَا فَالنِّكَاحُ أَوْلَى بِهِ مِنْ تَرْكِهِ: لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِلتَّشَاغُلِ بِهِ عَنِ الْحِرْصِ فِي الدُّنْيَا.
وَالثَّانِي: لِطَلَبِ الْوَلَدِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُرْفَعُ بِدُعَاءِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: سَبْعٌ يَجْرِي عَلَى الْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ مَنْ كَرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ وَقَفَ وَقْفًا، أَوْ وَرَّقَ مُصْحَفًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ خَلَّفَ وَلَدًا صَالِحًا يَدْعُو لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.مَسْأَلَةٌ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا حَاسِرَةً:

مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ موضع النظر فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا حَاسِرَةً، وَيَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَهِيَ مُتَغَطِّيَةٌ، بَإِذْنِهَا وَبِغَيْرِ إِذْنِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النُّورِ: 31] قَالَ: الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ أَنَّ وَجْهَ الْمَرْأَةِ وَكَفَّيْهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النُّورِ: 31]. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: هُوَ الْكُحْلُ، وَالْخَاتَمُ، عِبَارَةً عَنِ الْوَجْهِ بِالْكُحْلِ وَعَنِ الْيَدَيْنِ بِالْخَاتَمِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ، جَازَ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا لَا غَيْرُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَنْظُرُ مَعَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ إِلَى رُبُعِ السَّاقِ. وَقَالَ دَاوُدُ: يَنْظُرُ مِنْهَا إِلَى مَا يَنْظُرُ مِنَ الْأَمَةِ إِذَا أَرَادَ شِرَاءَهَا، وَرَوَاهُ الْأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنِ الْأَشْهَبِ مِثْلُ قَوْلِنَا. وَقَالَ الْمَغْرِبِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ الْقَدَمَيْنِ بِالْكَفَّيْنِ: لِأَنَّهُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ، فَلَمْ يَجْعَلْهَا عَوْرَةً، وَالْكَلَامُ مَعَهُ فِي حَدِّ الْعَوْرَةِ قَدْ مَضَى، وَأَمَّا دَاوُدُ: فَاسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلْيُولِجْ بَصَرَهُ فِيهَا فِإِنَّمَا هُوَ مُسِرٌّ. وَأَمَّا الْمَغْرِبِيُّ فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ الْأُولَى لَكَ وَالثَّانِيَةَ عَلَيْكَ. وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النُّورِ: 31] يَعْنِي السَّاقَيْنِ. وَدَلِيلُنَا عَلَى دَاوُدَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يَعْنِي الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَسْمَاءَ دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ- وَعَلَيْهَا ثَوْبٌ رَقِيقٌ- فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا حَاضَتْ حَرُمَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ. وَدَلِيلُنَا عَلَى الْمَغْرِبِيِّ رِوَايَةُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلْيَنْظُرْ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا، فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا، أَوْ قَالَ: سُوءًا. وَرَوَى أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِ أَحَدِكُمْ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلْيَتَأَمَّلْ خِلْقَتَهَا. وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا النِّسَاءُ لُعَبٌ، فَإِذَا اتَّخَذَ أَحَدُكُمْ لُعْبَةً فَلْيَسْتَحْسِنْهَا. وَرَوَى بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اذْهَبْ فَانْظُرَ إِلَيْهَا، فَإِنَهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا».
وَفِي «يُؤْدَمُ» قَوْلَان:
أحدهما- وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ-: أَنَّهُ يَعْنِي يَدُومُ، فَقَدَّمَ الْوَاوَ عَلَى الدَّالِ، كَمَا قَالَ فِي ثَمَرِ الْأَرَاكَةِ: كُلُوا مِنْهُ الْأَسْوَدَ فَإِنَّهُ أَيْطَبُ بِمَعْنَى أَطْيَبَ، فَيَكُونُ مَأْخُوذًا مِنَ الدَّوَامِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي- وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ-: أَنَّهُ الْمُحَابَّةُ، وَأَنْ لَا يَتَنَافَرُوا مَأْخُوذًا مِنْ إِدَامِ الطَّعَامِ، لِأَنَّهُ يَطِيبُ بِهِ فَيَكُونُ مَأْخُوذًا مِنَ إِدَامٍ لَا مِنَ الدَّوَامِ، ثُمَّ مَنْ مَرَّ الدَّلِيلَ عَلَى جَوَازِ أَنْ يُنْظَرَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَبْلَغُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ فَقْدِهِ، فَاقْتَصَرَ عَلَى نَظَرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ: لِخُرُوجِهِمَا عَنْ حُكْمِ الْعَوْرَةِ، وَإِنَّ فِي الْوَجْهِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْجَمَالِ، وَفِي الْكَفَّيْنِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى خِصْبِ الْبَدَنِ وَنِعْمَتِهِ فَأَغْنَاهُ ذَلِكَ عَنِ النَّظَرِ إِلَى غَيْرِهِ.